تخطى إلى المحتوى

الغزو و الانسحاب

مما لا شك فيه هو ارتباط مفهوم الغزو والانسحاب بالمعارك والحروب و لكن في منظور التخطيط العمراني هل كان هناك غزو وانسحاب؟ وماهي الاطراف المشاركة في هذه الظاهرة؟ وهل كانت سبب في تشكيل مدن القرن الواحد والعشرين؟

حصل مفهوم الغزو والانسحاب في بوادر ملامح التحضر بالقرن الـ 20 وبالتحديد عند نشأة الثورة الصناعية ، كانت المصانع تنشأ ثم يحصل سيل الهجرة من الريف الى المدن من أجل العمل بالمصانع وبذلك اصبحت المصانع هي نواة و مركز المدينة وتكتلت المساكن حولها وظهرت لنا المدن بمفهومها الحديث في مطلع القرن العشرين.

مع مرور الوقت وبداية مطلع القرن الـ 21 كانت بداية  سطوع الثورة الرقمية والتي كان لها التأثير في تكوين المنظومة العمرانية لمدن عصرنا الحالي فلم تستطع المصانع الحفاظ على مركزيتها داخل المدينة بسبب غزو قوة المال و الأعمال و كانت بداية انسحاب المصانع وهناك عدة اسباب اضافية ساعدت مخططي المدن على اتخاذ القرار، فاحتياج المصانع الى خطوط تغذية من المواد الخام والذي مع مرور الوقت و نمو المدينة و توسعها اصبح عائقاً كبيراً من ناحية سهولة ومرونة الحركة من خارج المدينة مروراً بالتكتلات السكانية وانتهاءاً بمركز المدينة، كما ثبت ضررها على المجتمع البشـري لما تطلقه من غازات سامه عبر مداخنها ملوثةً بذلك الهواء ومهددةً للصحة العامة في المدينة وبذلك ينتهي دور المصانع والانسحاب من مراكز المدن بعد غزو واحلال القوة التجارية مما انعكس على استعمالات الاراضي وتحولت من الانشطة الصناعية الى منطقة الاعمال المركزية (CBD) التي اصبحت هي القوة المسيطرة على مراكز المدن.

لم تكن ظاهرة الغزو والانسحاب متعلقة فقط بين المصانع ومنطقة الاعمال المركزية فهناك مدن لم تكن المصانع هي نواة نشأتها بل كانت مدن تاريخية ومع تقدم ثورة الصناعة وثورة التقنية توسعة هذه المدن بشكل كبير ما ساهم على انسحاب السكان الاصلين من المركز واحلال سكان من خارج المنطقة مسببين بذلك تغير للتركيبة الديموغرافية للمدينة ومع مرور الوقت تتدهور البيئة العمرانية للمنطقة نتيجة الخلل في عملية ضبط التنمية العمرانية.

الخلاصة يحصل داخل المدينة العديد من التفاعلات التي لا تشاهد بالعين المجردة والاهم من ذلك ان مثل هذه الظواهر لن تحصل بين يوم وليلة ولا شهور بل تستغرق العديد من السنين لتظهر ويبدأ تأثيرها سلبا كان ام ايجابا، يأتي دور المخطط هنا في تقيم الخطط والوضع الراهن بشكل دوري لإدراك بداية هذه التغييرات التي تطرأ على أرض الواقع والتنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية لبداية نشوء هذه الظواهر لضمان تحقيق تنمية متوازنة وسليمة يراعي فيها جميع جوانب الجهات ذات العلاقة في المدينة لتنشأ لنا مدن امنة ومستدامة.

Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
بدر تركستاني

مهتم في تطوير تفاعلات الانسان بالوسط العمراني

هذا المقال يأتيكم من

مخططون عمرانيون

مخططون عمرانيون ..

فريق من المخططين العمرانيين انطلقوا في سنة 2020 , فريق توعوي يفتح آفاقاً من المعرفة والتجربة محورها التخطيط العمراني وفضاءات المدن ومراكز العمران

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x

أشترك معنا بالنشرة البريدية !!

نقوم بجمع أحدث الأخبار والمقالات المنشورة كل أسبوع ،  ونرسلها لك نهاية الأسبوع بعد صلاة الجمعة لتطلع على كل ماهو جديد